الطبيب خلف الإنجاز الطبي

الطبيب خلف الإنجاز الطبي
حوار مع الدكتور حسن خاجة، استشاري جراحة المخ والأعصاب
إعداد فريق بازار

منذ صغره، أدرك الدكتور حسن خاجة بأن لا يريد أن يكون كبقية الأطفال. فبينما كان الأطفال المحيطين به يطمحون بأن يصبحوا طيارين أو رجال شرطة، كان لديه حلم مختلف. يقول متذكّرًا: “قلت لمعلمتي إنني أريد أن أصبح طبيب أعصاب، رغم أن هذا المصطلح لم يكن مألوفًا في الكويت في سبعينيات القرن الماضي”.

ومنذ ذلك الحين، تحوّل هذا الطموح المبكر إلى عطاء مهني حافل بالتميز والمسؤولية. اليوم، يُعد الدكتور حسن خاجة أحد أبرز رواد جراحة الأعصاب في الكويت، فمسيرته تجمع بين التفوق العلمي، والانتماء الوطني، والإحساس العميق بالمسؤولية الإنسانية.

نشأ الدكتور خاجة في بيئة تُقدّر العطاء وخدمة المجتمع، وهو أصغر أفراد أسرته. وجاء شغفه بالعلوم مقرونًا برغبة صادقة في التخفيف من معاناة الآخرين، فكانت كلية الطب خياره الطبيعي.
ويقول: “عندما حصلت على المركز الأول في كلية الطب، كرّمني سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح بوسام النجمة الذهبية، وكان ذلك حافزًا عظيمًا في بداياتي”. لكن دراسة الطب لم تكن غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق هدف أكبر. “في ذلك الوقت، كان هناك نقص شديد في عدد المتخصصين في جراحة الأعصاب في الكويت، وكنت أرى أن من واجبي الإسهام في ملء هذا الفراغ، ليس فقط كخدمة مهنية، بل كواجب وطني وإنساني”.

في عام 1999، التحق ببرنامج الزمالة لجراحة الأعصاب في جامعة أوبسالا بالسويد، وهو برنامج مرموق لا يقبل سوى طبيب واحد سنويًا. وعلى مدى خمس سنوات، تخصص في جراحات الدماغ والعمود الفقري، وتلقى تدريبًا متقدمًا في التعامل مع إصابات الرأس الحرجة والنقل الطبي الطارئ، وأسهم لاحقًا في إدخال هذه البروتوكولات المتقدّمة إلى منظومة الرعاية الصحية في الكويت.

لم تقتصر مساهماته على غرفة العمليات، بل امتدت إلى التوعية المجتمعية، وخاصة حول مخاطر إصابات الرأس لدى الأطفال وكبار السن. “هذه الفئات العمرية تتأثر بإصابات الدماغ بطريقة مختلفة، وقد لا تظهر الأعراض فورًا. الطفل قد يتعرض لسقوط بسيط ويبدو طبيعيًا، ثم يدخل في غيبوبة بعد ساعات”.  وينصح الأهالي بعدم الاستهانة بأي إصابة في الرأس، مهما بدت بسيطة. “حتى وإن بدا الطفل أو المسن بحالة جيدة، من الأفضل إجراء أشعة مقطعية. فالفحص المبكر قد يكون الفارق بين الحياة والموت”.  ومن العلامات التي تستوجب التقييم الفوري: الكدمات حول العينين، نزيف الأذن، الدوار، القيء، والصداع الشديد. التدخل السريع في مثل هذه الحالات قد يمنع مضاعفات دائمة في الدماغ أو حتى الوفاة.

يعالج الدكتور خاجة مئات الحالات من آلام الرقبة والظهر، ويُرجّح أن 90٪ منها ناتجة عن أسباب عضلية كالوضعيات الخاطئة أو قلة الحركة أو الاستخدام المفرط للأجهزة. لكن في المقابل، يشدد على أهمية استبعاد الأسباب العصبية مثل الانزلاق الغضروفي أو الضغط على الأعصاب أو التآكل المفصلي. “نقوم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي وتخطيط الأعصاب لنحدد طبيعة الألم بدقة. فبعض الحالات قد تتطلب تدخلاً جراحيًا عاجلًا، خاصة إذا رافق الألم ضعف في الأطراف أو فقدان في الإحساس”. 

ومن الحالات المتكررة التي يشخصها أيضًا: متلازمة النفق الرسغي، والتي كثيرًا ما تُخلط بأعراض صادرة من الرقبة، وهو ما يؤكد أهمية الفحوصات الدقيقة. كما يُنبّه إلى أن أعراض عرق النسا قد تنجم عن مشاكل متعددة، كالتشنجات العضلية أو اختلالات العمود الفقري، مؤكدًا أن كل حالة تستدعي تقييمًا فرديًا شاملًا.

ويشير إلى أهمية فهم الدماغ وتعقيده، إذ إن أي خلل بسيط قد يؤثر على النطق، الحركة، أو الإحساس. “الدماغ هو مركز القيادة لكل وظائف الجسم. وأحيانًا، يمكننا تشخيص المشكلة العصبية من مجرد مراقبة مشية المريض أو طريقته في الحديث”.

وفي حالات الشلل المفاجئ أو فقدان الحركة، يكون التشخيص السريع عاملًا حاسمًا. “قد يكون السبب بسيطًا، وقد يكون مؤشرًا على حالة عصبية خطيرة تتطلب تدخلًا عاجلًا”.

وعن نصيحته للأطباء الشباب، يقول: “اختر التخصص الذي تحبه، لا الذي يبدو أكثر شعبية. كثيرون نصحوني باختيار مجال أسهل، لكنني اخترت ما شعرت أن وطني يحتاج إليه. الطب ليس تميزًا اجتماعيًا، بل مسؤولية”. على مدار سنوات خدمته، بقي هذا المبدأ هو ما يوجّه خطواته، ولا يزال يُمارس مهنته بروح الطبيب الذي يعمل من أجل الإنسان أولًا.

سواءً في العمليات الدقيقة، أو من خلال تطوير منظومة الطوارئ، أو عبر التوعية المجتمعية، يبقى الدكتور حسن خاجة نموذجًا لطبيب يسخّر علمه وخبرته من أجل خدمة الناس. وفي تخصصٍ دقيق تحسب فيه الثواني، فإن التزامه المستمر هو ما يصنع الفارق.