بقلم فريق بازار
منذ نعومة أظافرها، كانت الدكتورة ساندرا جعجع ترى نفسها في عالم الطب. تقول: “أطلقت على نفسي لقب طبيبة عندما كنت في العاشرة. كنت أستمتع بالتظاهر بأنني أعالج أخي، وأقوم بتحضير وصفات من خيالي. كان ذلك أكثر من مجرد لعب… كان حلمًا حقيقيًا”.
وعلى عكس من اختاروا هذا المسار تأثرًا بعائلاتهم، نشأ اهتمام الدكتورة ساندرا بالطب من قناعة ذاتية، قادتها نحو مسيرة مهنية تركّز على صحة المرأة وجودة حياتها.
تُعد الدكتورة ساندرا من الأصوات الداعمة بقوة لأهمية الفحص الوقائي، خاصة فيما يتعلق بسرطان الثدي وعنق الرحم. وتؤكد أن هناك مفاهيم خاطئة شائعة بين النساء تمنعهن من الخضوع للفحص المبكر.
وتشرح قائلة: “يعتقد كثير من النساء أن غياب التاريخ العائلي للإصابة بسرطان الثدي يعني أنهن لسن معرّضات للخطر، لكن الحقيقة أن واحدة من كل ثماني نساء معرضة للإصابة، بغض النظر عن العامل الوراثي. ولهذا السبب، من المهم أن تبدأ المرأة بإجراء فحص الماموغرام بشكل منتظم اعتبارًا من سن الأربعين، أو حتى قبل ذلك إذا كانت هناك إصابة سابقة في العائلة قبل سن الخمسين“.
وفي السياق ذاته، تشير الدكتورة ساندرا إلى أن فحص عنق الرحم لا يزال من الفحوصات المهملة لدى كثير من النساء، نتيجة لعدم وضوح الفرق بينه وبين الفحوصات النسائية الروتينية. وتوضح: “كثير من النساء يعتقدن أن مسحة المهبل تعادل فحص بابانيكولاو (Pap smear) ، وهذا غير صحيح. فحص بابانيكولاو يهدف إلى الكشف المبكر عن التغيرات الخلوية في عنق الرحم قبل أن تتحول إلى أورام سرطانية”.
وتضيف: “بما أن سرطان عنق الرحم غالبًا ما يكون نتيجة عدوى فيروسية مكتسبة، وليس وراثيًا، فإن الالتزام بالفحص المنتظم ضروري للوقاية والكشف المبكر”.
وتلفت إلى التحوّل الملحوظ في نمط الحياة وتأخر سن الزواج والإنجاب، وما لذلك من تأثير مباشر على قضايا الخصوبة. تقول: “نشهد اليوم انخفاضًا في مخزون المبيض حتى لدى الفتيات في سن المراهقة والشابات غير المقبلات بعد على الزواج أو الأمومة، ما يجعل من تجميد البويضات خيارًا مهمًا وواقعيًا، يشبه إلى حد بعيد التأمين على القدرة الإنجابية المستقبلية”.
وتسلّط الدكتورة ساندرا الضوء على التطورات الحديثة في تقنيات الإخصاب المساعد، مثل الفحص الوراثي للأجنة لتجنّب حالات الإجهاض المتكررة، وإمكانية تحديد جنس الجنين. وتعلق قائلة: “هذه التقنيات غيّرت مفهوم التخطيط الأسري، ووسّعت من الخيارات المتاحة أمام الأزواج بشكل غير مسبوق”.
وفيما يخص متابعة الحمل، تؤكد الدكتورة ساندرا أن هذا المجال شهد تطورًا كبيرًا، وتوضح: “أصبح بإمكاننا اليوم التنبؤ مبكرًا بالمضاعفات المحتملة مثل ارتفاع ضغط الدم أو تقييد نمو الجنين داخل الرحم، ونتخذ تدابير وقائية – مثل وصف الأسبرين – للحدّ من هذه المخاطر وضمان حمل أكثر أمانًا”.
بالنسبة للنساء في مرحلة انقطاع الطمث، تؤكد الدكتورة ساندرا أن الخيارات العلاجية قد تطورت بشكل ملحوظ. وتوضح: “كان العلاج الهرموني البديل (HRT) موضع جدل في السابق، لكننا اليوم نُدرك فوائده بشكل أفضل. فالهورمونات الحيوية المتطابقة – التي تحاكي الهورمونات الطبيعية في الجسم – جعلت هذا العلاج أكثر أمانًا وفعالية”.
وتضيف: “هناك أيضًا بدائل غير هرمونية تساعد على التخفيف من أعراض سن اليأس، دون التعرض للمخاطر التي كانت تُرتبط سابقًا بالعلاج الهرموني”.
وتعبّر الدكتورة ساندرا عن قلقها من التأثيرات المتزايدة للنظام الغذائي ونمط الحياة على صحة الفتيات الصغيرات، مشيرة إلى ارتفاع مقلق في حالات البلوغ المبكر. وتقول: “نشهد تزايدًا في هذه الظاهرة، ويُرجّح أن السبب يعود إلى الأطعمة المعالجة واللحوم المحقونة بالهرمونات. فالسمنة والعادات الغذائية غير الصحية تُخل بتوازن الهورمونات لدى الأطفال، مما يؤدي إلى مشكلات في الصحة الإنجابية لاحقًا“.
وتُشدد على أهمية الفحوصات الدورية للفتيات بعد البلوغ، وتقول: “بمجرد دخول الفتاة في مرحلة البلوغ، يُستحسن إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية (سونار) سنويًا لمتابعة صحة الرحم والمبيضين. كثير من الفتيات يعانين من أكياس مبيضية دون أن يدركن ذلك”.
وتضيف: “آلام الدورة الشهرية ليست دائمًا أمرًا طبيعيًا، ويجب التمييز بين التقلصات المعتادة والحالات التي تستدعي تدخلاً طبيًا. فإذا بدأت الآلام قبل نزول الدورة، فقد تكون ناتجة عن بطانة الرحم المهاجرة، وهي حالة تتطلب تشخيصًا مبكرًا وعلاجًا متخصصًا”.
كما تُحذّر من تأخير تناول مسكنات الألم، موضحة: “من أكثر الأخطاء الشائعة أن تنتظر المرأة حتى تصبح الآلام لا تُحتمل. من الأفضل تناول المسكنات مثل الإيبوبروفين أو الباراسيتامول عند أولى علامات النزيف، إذ تكون أكثر فاعلية في تلك المرحلة”.
وترى الدكتورة ساندرا أن هناك علاقة وثيقة بين صحة الجهاز الهضمي والصحة العامة، وتقول: “ما نتناوله يؤثر مباشرة على الصحة النفسية، والدورة الشهرية، والخصوبة. والاهتمام بالتغذية السليمة، خاصة الأطعمة المخمّرة، يمكن أن يعزز التوازن الهورموني ويُخفف من أعراض ما قبل الدورة”.
وتُؤكد أيضًا على أهمية النشاط البدني، قائلة: “مجرد 25 دقيقة من الحركة يوميًا يمكن أن تُحدث فرقًا ملموسًا في الصحة الإنجابية، وتنظيم الدورة، وتعزيز القدرة على التكيّف النفسي. الهرمونات تؤثر على المزاج والإنتاجية، لكن نمط الحياة الصحي يساعد على التوازن”.
وتختم الدكتورة ساندرا حديثها بالتأكيد على أهمية الفحوصات الدورية، وتُشير إلى أبرزها:
- فحص عنق الرحم (Pap Smear) ينبغي للنساء النشيطات جنسيًا، بدءًا من سن 21، إجراء هذا الفحص كل ثلاث سنوات للكشف عن التغيرات المرتبطة بفيروس HPV.
- تصوير الثدي بالأشعة (Mammogram) يُنصح به سنويًا بدءًا من سن الأربعين، حتى في حال عدم وجود تاريخ عائلي.
- التصوير بالموجات فوق الصوتية للحوض يُنصح به سنويًا للفتيات بعد البلوغ لمتابعة صحة الرحم والمبايض.
كما تدعو السيدات إلى الانتباه للعلامات التحذيرية التالية:
- ألم جديد أو شديد أثناء الدورة، خاصة إذا ترافق مع الغثيان أو القيء.
- ألم لا يستجيب للمسكنات المعتادة، وقد يكون مؤشرًا على بطانة الرحم المهاجرة أو مشكلة صحية أكثر خطورة.
- ألم في منطقة الحوض دون سبب واضح، ويستدعي التقييم الطبي العاجل.
وتختتم حديثها برسالة واضحة:
“صحة المرأة لا تقتصر على علاج الأعراض، بل تبدأ بالوعي، والوقاية، والمتابعة المنتظمة. فهمك لجسدك واهتمامك بالفحوصات الدورية قد يصنعان فرقًا حقيقيًا في جودة حياتك وصحتك على المدى الطويل.”